تشتكي كثير من البنات جفوة آبائهن ، وشحهم العاطفي تجاه بناتهم مع شدة حاجتهن إلى تلك المشاعر الجياشة والأحاسيس الدافئة !
والسبب الأول في أعراض الآباء هو الانشغال الذي لا يكاد ينتهي والجري وراء جمع الحطام الذي لا يكاد ينقضي .
ونجم عن هذا الانفصام القاسي ، شعور باليأس لدى تلكم الفتيات ، وشعورهن بشيء مفقود ، فظلين يبحثن عنه حتى وجدن شيئا منه لدى قرينات السوء ، أو الفساق من الشباب الحائر الباحث عن اللذة العابرة !!
ولذا سقطت بعض الفتيات في براثن المعاكسات لأول وهلة ، بحثاً عن العاطفة المفقودة ، والمشاعر الحميمة !
في بيوتنا فتيات لم يسمعن من آبائهن يوما من الدهر : أهلا بنيتي ! كيف أنت يا غاليتي ؟ ما أحوالك يا عزيزتي ؟
في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها : " كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده ، لم يغادر منهن واحدة ، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ، ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فلما رآها رحب بها فقال : " مرحباً بابنتي " ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله .. "
فهذا سيد الخلق يرحب بابنته ، ويجلسها بجانبه بكل شوق وحنان ، وعطف وإحسان ، مع إنها امرأة ذات زوج صالح لا تنقصه العواطف الجياشة تجاه امرأته الغالية ، وأم الحسن والحسين ريحانتا الإسلام ، وسيدا شباب الجنة .
فأين الآباء عن هذه الأخلاق النبوية الحنونة وتلك العواطف المحمدية الجياشة التي غمرت الزهراء – رضي الله عنها – حتى اطمأنت نفسها ، وانشرح صدرها ، وتفرغت لعبادة ربها ، والمسابقة إلى مرضاة بارئها ، فاستحقت لقب سيدة نساء هذه الأمة كما في صحيح مسلم .
أن على الآباء أن يدركوا أهمية إغداق عواطفهم واستجداء مشاعرهم تجاه بنياتهم ليشعرن بالأمان القلبي والاستقرار النفسي ، ومن ثم يكن قرة أعين لإبائهن ، ويرددن صاع الإحسان بصاعين ، فما أرق قلوب البنات تجاه الآباء متى لمسن عطفهم ، وشعرْنَ بحبهم وقربهم .
وأنت أيتها الفتاة المحرومة من عطف الأب وحنانه ، التمسي له الأعذار ، وتأكدي بأنه مشغول عنك بك يبحث عن لقمة العيش ، ويسعى لحياة كريمة تنعمين بها ثم تأكدي أيضا .
إن أباك لا تنقصه العواطف تجاهك ولكنها محبوسة ، ولا يفتقر إلى المشاعر الدافئة ولكنها مأسورة ، فاقتربي من أبيك وحاولي إطلاق هاتيك العواطف والمشاعر من تلك السجون بحل قيودهن بكلمة حانية وقبلة على جبين أبيك دافئة وابتسامة مشرقة!
اقتربي منه ، حدثيه بحبك له ، وعطفك عليه ، واشتياقك لإطلالته واستئناسك بمجلسه !
حاولي مرة ثانية وثالثة ، وربما وجدت إعراضا أو صدوداً ، فما ذاك إلا الهدوء الذي يسبق عاصفة الحب الأبوي القادم ، والعطف الفطري المتحرر من أواصر الغفلة ، وقيود النسيان الآخذة في الإهتراء والذبول.
حاولي ، وستدعين لكاتب السطور يوما ما !!